ياسين

مقال عن حرب 6 أكتوبر المجيدة

المقدمة

تُعَدّ حرب السادس من أكتوبر عام 1973 واحدة من أعظم صفحات التاريخ المصري والعربي، فهي ليست مجرد معركة عسكرية عابرة، بل كانت ملحمة بطولية غيّرت موازين القوى في الشرق الأوسط، وأعادت للأمة العربية كرامتها بعد سنوات من الهزيمة والانكسار. لقد سطّر فيها الجيش المصري أروع أمثلة التضحية والفداء، وأثبت للعالم أن الإرادة والعزيمة يمكن أن تتغلبا على كل المستحيلات.

خلفية تاريخية

بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو 1967، واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، عاش الشعب المصري مرحلة صعبة من الإحباط والحزن. فقدت الأمة الكثير من أراضيها، وتزعزعت الثقة في القدرة العسكرية، ولكن القيادة المصرية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ثم من بعده أنور السادات رفضت الاستسلام. فبدأت مصر عملية إعادة بناء الجيش من جديد، وإعداده بأحدث الأسلحة والخطط التدريبية.

وخلال السنوات ما بين 1967 و1973، خاضت القوات المسلحة المصرية ما يُعرف بـ”حرب الاستنزاف”، والتي كانت تهدف إلى إنهاك العدو الإسرائيلي وإعادة الثقة للمقاتل المصري. وخلال هذه الفترة، اكتسب الجنود المصريون خبرات قتالية كبيرة، كما تم تطوير سلاح الطيران والدفاع الجوي والمدفعية.

القيادة والتخطيط للحرب

عندما تولى الرئيس أنور السادات الحكم عام 1970، أعلن أن عام 1971 سيكون عام الحسم، لكن الظروف الدولية لم تكن مواتية. ومع ذلك، واصل التخطيط بسرية تامة مع القادة العسكريين وعلى رأسهم الفريق محمد أحمد صادق، ثم الفريق أحمد إسماعيل علي وزير الدفاع، واللواء سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة.

تم وضع خطة عبقرية عُرفت باسم خطة بدر، تهدف إلى عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف، وهو التحصين الإسرائيلي الضخم الذي ظن العدو أنه لا يُقهر. اعتمدت الخطة على عنصر المفاجأة والتنسيق الكامل بين القوات الجوية والمدفعية والمشاة.

العبور العظيم

في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر 1973 (العاشر من رمضان 1393هـ)، بدأت الحرب بهجوم جوي مصري مكثف استهدف المواقع الإسرائيلية في سيناء. كانت الضربة الجوية الأولى بقيادة الطيار البطل محمد حسني مبارك آنذاك، حيث شاركت أكثر من 220 طائرة مصرية في قصف مواقع العدو بدقة مذهلة.

وبعد دقائق من الضربة الجوية، بدأت المدفعية المصرية تمطر المواقع الإسرائيلية على طول قناة السويس بأطنان من القذائف، في قصف استمر نحو 53 دقيقة متواصلة، وهو ما شكّل أعنف تمهيد نيراني في تاريخ الحروب الحديثة.

ثم بدأ الجنود المصريون في عبور قناة السويس مستخدمين القوارب والمعديات، وفي مشهد أسطوري، قاموا بفتح ثغرات في الساتر الترابي لخط بارليف باستخدام خراطيم المياه، وهو ابتكار هندسي مصري فريد أدهش العالم. ومع غروب شمس ذلك اليوم، كان أكثر من 80 ألف جندي مصري قد عبروا إلى الضفة الشرقية من القناة، ورفعوا العلم المصري فوق أرض سيناء.

بطولات لا تُنسى

شهدت الحرب العديد من البطولات التي ستظل خالدة في ذاكرة الوطن. فقد قاتل الجنود ببسالة نادرة، وأبدعوا في استخدام الأسلحة والتكتيكات الحديثة. من أبرز البطولات:

  • قوات الصاعقة المصرية التي تسللت خلف خطوط العدو وقطعت إمداداته.
  • اللواء 16 مشاة الذي صمد أمام الهجمات المضادة الإسرائيلية في منطقة الدفرسوار.
  • سلاح الدفاع الجوي الذي أسقط مئات الطائرات الإسرائيلية بفضل منظومات الصواريخ “سام”.
  • اللواء سعد الدين الشاذلي الذي وضع خطة العبور الدقيقة بكل تفاصيلها.
  • الشهيد إبراهيم الرفاعي وقواته الذين نفذوا عمليات نوعية خلف خطوط العدو.

كما شاركت الدول العربية في الحرب، حيث أرسلت سوريا قواتها لفتح جبهة في الجولان، وساهمت السعودية والكويت والجزائر وليبيا والعراق بالدعم المالي والعسكري. كذلك استخدمت الدول العربية سلاح النفط، حيث قررت دول الخليج بقيادة السعودية وقف تصدير النفط للدول الداعمة لإسرائيل، وهو ما أحدث أزمة عالمية كبيرة.

النتائج العسكرية والسياسية

حققت مصر في الأيام الأولى من الحرب انتصارات مبهرة، وتمكنت من تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر. فقد تم تدمير خط بارليف بالكامل في غضون ساعات، واستعادت مصر السيطرة على شريط واسع من الضفة الشرقية للقناة.

لكن بعد مرور أيام، حاولت إسرائيل شن هجوم مضاد بقيادة الجنرال شارون في منطقة “الدفرسوار”، إلا أن القوات المصرية واجهته ببسالة وأفشلت مخططاته. ومع تدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي دبلوماسياً، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 24 أكتوبر 1973.

ورغم بعض الصعوبات الميدانية، فإن الحرب كانت نقطة تحول استراتيجية. فقد أثبتت للعالم أن القوة العسكرية الإسرائيلية يمكن كسرها، وأن مصر استعادت كرامتها وهيبتها. كما مهدت هذه الحرب الطريق إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، التي استردت مصر بموجبها كامل أراضيها في سيناء.

الدروس المستفادة من الحرب

من أهم الدروس والعبر التي خرجت بها مصر والعالم من حرب أكتوبر:

  1. قيمة الإعداد الجيد والتخطيط الدقيق قبل أي مواجهة.
  2. أهمية الإيمان بالوطن ودور الوحدة الوطنية في تحقيق النصر.
  3. قوة العلم والتكنولوجيا في تغيير نتائج المعارك.
  4. التعاون العربي عندما يتوحد حول هدف مشترك يمكنه قلب الموازين.
  5. أن الإرادة الإنسانية أقوى من السلاح، وهو ما أثبته الجندي المصري.

الاحتفال بذكرى أكتوبر

في كل عام، تحتفل مصر يوم 6 أكتوبر بذكرى هذا النصر العظيم، تخليدًا لبطولات أبنائها الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير الأرض. تتزين المدن بالأعلام، وتقام العروض العسكرية، وتُعرض الأفلام الوثائقية التي تروي تفاصيل المعركة. كما يتم تكريم أبطال الحرب وأسر الشهداء الذين سطروا بأجسادهم تاريخًا من المجد والعزة.

ويظل هذا اليوم رمزًا للفخر الوطني، يُذكّر الأجيال القادمة بأن الوطن لا يُستعاد بالكلمات، بل بالإيمان والعمل والتضحية.

الخاتمة

إن حرب السادس من أكتوبر ليست مجرد نصر عسكري، بل هي انتصار للإرادة المصرية والعربية، ودليل على أن الشعوب التي تؤمن بحقها لا تعرف المستحيل. لقد علّمت هذه الحرب العالم أن مصر قوية بشعبها وجيشها، وأن الكرامة الوطنية لا تُشترى، بل تُنتزع بالتضحيات. ستبقى ذكرى أكتوبر خالدة في وجدان الأمة، تذكّرنا دومًا بأننا قادرون على صنع المعجزات متى توحدت كلمتنا وتسلحنا بالإيمان والعلم والعمل.